
نوبل الكيمياء عام 1934.. نظائر وحياة

داخلَ مدرسةٍ فقيرةٍ مكونةٍ منْ فصلٍ واحدٍ تقعُ بينَ حقولِ البصلِ في ولايةِ "إنديانا" الأمريكية؛ جلسَ طفلٌ صغيرٌ يتيمٌ يتلقى تعليمًا محدودًا يمكِّنُه بالكادِ منْ قراءةِ جُملٍ قصيرة. كانَ الطفلُ "هارولد كلايتون يوري" يتيمًا، عاشَ حياةً قصيرةً في كنفِ والدِه المزارعِ الذي توفيَ قبلَ أنْ يبلغَ ستَّ سنوات.
تركتْ وفاةُ الوالدِ فجوةً عميقةً في دخلِ الأسرةِ ودفعتْهم إلى حافةِ الفقر.
عاشَ الطفلُ معَ والدتِه وجدتِه وإخوتِه في منزلٍ بسيطٍ بمزرعةٍ في كورونا بولايةِ إنديانا. ماتتْ جدتُه وهوَ في الحاديةَ عشْرةَ منْ عمرِه؛ انتقلتِ الأمُّ وأطفالُها إلى مناطقَ أعمقَ في ريفِ إنديانا حيثُ زرعُوا البصلَ لبيعِه.
ومعَ الزراعة؛ كانتْ والدتُه تدفعُه وإخوتَه لإكمالِ تعليمِهم. التحقَ هارولد بالمدرسةِ الثانوية. استطاعَ إكمالَ الدراسةِ فقطْ لأنَّ والدَه تركَ بوليصةَ تأمينٍ على الحياةِ لاستخدامِها حصريًّا في تعليمِ أطفالِه.
ازدهرَ هارولد في المدرسةِ الثانوية، تعلمَ بعضَ علومِ الأحياءِ والفيزياءِ وانضمَّ إلى فريقِ المناقشةِ بالمدرسة. كانَ يتصدرُ جميعَ فصولِه وكانَ لقبُه الأستاذ.
في وقتٍ لاحقٍ منْ حياتِه، وَصفَ هارولد أوري التأثيرَ العميقَ لوصيةِ والدِه باستخدامِ أموالِ بوليصةِ التأمينِ للتعليمِ على مستقبلِه وقالَ: "لولا ذلكَ، لكنتُ ما زلتُ في ولايةِ إنديانا، مجردَ مزارعٍ في حقولِ البصل".
لكنْ؛ وبفضلِ الوصيةِ المستنيرة، وقَفَ "يوري" على أعلى منصاتِ التتويج؛ بعدَ أنْ حصلَ على جائزةِ نوبل الكيمياءِ لعامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعةٍ وثلاثينَ من جراءِ اكتشافِه الهيدروجينِ الثقيل.
تخرجَ يوري في المدرسةِ الثانويةِ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأحدَ عشَرَ، وعمرُه ثمانيةَ عشَرَ عامًا، والتحقَ بكليةِ إيرلهام في ريتشموند بإنديانا، حيثُ حصلَ على شهادةٍ تُمكِّنُه منَ العملِ معلمًا. قامَ بالتدريسِ في مدارسَ ريفيةٍ صغيرةٍ في ولايةِ إنديانا قبلَ التسجيلِ في جامعةِ مونتانا في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعةَ عشَرَ وكانَ يبلغُ منَ العمرِ واحدًا وعشرينَ عامًا. وبعدَ ثلاثِ سنوات، حصلَ على درجةِ البكالوريوس معَ شهادةِ تخصصٍ في علمِ الحيوانِ وتخصصٍ ثانٍ في الكيمياء.
بحلولِ هذا الوقتِ كانتْ أمريكا قدِ انضمتْ إلى الحلفاءِ الغربيينَ في الحربِ العالميةِ الأولى وكانتْ مهاراتُ "يوري" في الكيمياءِ مطلوبةً للغاية.
بدأَ العملَ في شركةِ باريت كيميكال Barrett CHEMICAL وهي شركةُ تصنيعِ متفجراتٍ في فيلادلفيا، بنسلفانيا. أقنعَه عملُه بأنَّ مستقبلَه يكمنُ في الكيمياءِ أوْ ربَّما في الكيمياءِ البيولوجية.
في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وتسعةَ عشَرَ عادَ "يوري" إلى جامعةِ مونتانا كمدرسِ كيمياء. عملَ في هذا المنصبِ لمدةِ عامين، ثمَّ انتقلَ إلى جامعةِ كاليفورنيا، بيركلي في أغسطس عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وواحدٍ وعشرين.
هناكَ استغرقَ الأمرُ عامينِ فقطْ للحصولِ على درجةِ الدكتوراة. في مختبراتِ الكيميائيِّ والفيزيائيِّ العظيمِ "جيلبرت لويس" بعملِه في مجالِ الترابطِ الكيميائي. اشتهرَ لويس بالحريةِ الكاملةِ تقريبًا التي منحَها لطلابِ الدراساتِ العليا. في بيركلي، أصبحَ أوري مفتونًا بشكلٍ متزايدٍ بمجالِ كيمياءِ الكمِّ الناشئِ حديثًا.
في أغسطس عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةٍ وعشرينَ، عندما كانَ "يوري" يبلغُ منَ العمرِ ثلاثينَ عامًا، سافرَ إلى الدنمارك لقضاءِ عامٍ في إجراءِ أبحاثِ ما بعدَ الدكتوراة في معهدِ نيلز بور للفيزياءِ النظريةِ في كوبنهاغن.
كانَ "بور" قدْ حصلَ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنينِ وعشرينَ على جائزةِ نوبل في الفيزياءِ لاكتشافِه المتعلقِ ببنيةِ الذراتِ والإشعاعِ وهوَ ما أحدثَ ثورةً في ميكانيكا الكم.
أظهرَ "بور" أنَّ الإلكتروناتِ الخارجيةَ للذرَّةِ - إلكتروناتِ التكافؤ - لها أهميةٌ كبيرةٌ في تحديدِ خصائصِها الكيميائية. منْ خلالِ القيامِ بذلك، اخترعَ "بور" كيمياءَ الكم.
في عامٍ ممتعٍ للغايةِ في كوبنهاغن، تعلمَ "يوري" الكثير، بما في ذلكَ حقيقةَ أنَّه على الرغمِ منْ أنَّ قدرتَه في الرياضياتِ كانتْ عاليةً جدًّا، إلا أنَّها لمْ تكنْ عاليةً مثلَ بور أوْ بعضِ أفضلِ علماءِ الفيزياءِ النظريةِ في المعهد. قررَ "يوري" أنَّ فرصةَ وصولِه إلى المقدمةِ ستكونُ موجودةً في الكيمياءِ التجريبيةِ بدلاً منَ الكيمياءِ النظرية.
بالعودةِ إلى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعةٍ وعشرين، أصبحَ أوري باحثًا مشاركًا في جامعةِ جون هوبكنز في بالتيمور بولايةِ ماريلاند، لكنَّه أصبحَ غيرَ سعيدٍ على نحوٍ متزايدٍ بشأنِ تقدُّمِ أبحاثِه هناك.
وفي عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وتسعةٍ وعشرينَ، عندما كانَ يبلغُ منَ العمرِ ستةً وثلاثينَ عامًا، انتقلَ إلى جامعةِ كولومبيا في مدينةِ نيويورك كأستاذٍ مشاركٍ في الكيمياء.
في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةَ عشَرَ، اكتشفَ الفيزيائيُّ البريطانيُّ "جوزيف طومسون" أنَّ بعضَ الذرَّاتِ يمكنُ أنْ يكونَ لها كتلٌ مختلفة، على الرغمِ منْ أنَّها ذراتٌ للعنصرِ نفسِه؛ اليومَ نسمِّي هذهِ الذراتِ بالنظائر.
تتكونُ الذراتُ منْ إلكتروناتٍ سالبةِ الشحنةِ وبروتوناتٍ موجبةِ الشحنةِ ونيوتروناتٍ متعادلةِ الشحنة. ويتساوى عددُ الإلكتروناتِ والبروتوناتِ في الذراتِ المتعادلة.
توجدُ النظائرُ لأنَّ ذراتِ العنصرِ نفسِه يمكنُ أنْ تحتويَ على أعدادٍ مختلفةٍ منَ النيوترونات. لمْ يكنْ هذا معروفًا حتى عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنينِ وثلاثين، عندَما اكتشفَ الفيزيائيُّ الإنجليزيُّ "جيمس تشادويك" النيوترون.
لكنْ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وواحدٍ وثلاثينَ، كانَ "يوري" يعرفُ بالفعلِ إمكانيةَ وجودِ الهيدروجينِ في شكلٍ ثقيلٍ تكونُ كتلتُه ضِعفَ كتلةِ شكلِه المعتاد. ثمَّ قرأَ بحثًا يشيرُ إلى أنَّ ذرةَ هيدروجينٍ واحدةٍ منْ كلِّ أربعةِ آلافٍ وخَمسِمئةٍ قد تكونُ ثقيلة.
قررَ "يوري" أنَّه سيحاولُ العثورَ على "هيدروجينٍ ثقيل".
اقترحتْ حساباتُه أنَّ درجةَ غليانِ الهيدروجينِ الثقيلِ ستكونُ أعلى منْ درجةِ غليانِ الهيدروجينِ العادي، مما يعني أنَّه يمكنُ زيادةُ نسبةِ الهيدروجينِ الثقيلِ في العينةِ عنْ طريقِ إزالةِ الهيدروجين العاديِّ في التقطيرِ بدرجةِ حرارةٍ منخفضة.
طلبَ "يوري" منْ صديقِه "فرديناند بريكويد" الذي يعملُ في مكتبِ الولاياتِ المتحدةِ للمعاييرِ تقطيرَ أربعةِ لتراتٍ منَ الهيدروجينِ السائلِ حتى يتبخرَ ملليمترٌ واحدٌ فقط، في هذهِ العينةِ الصغيرة، حسبَ أوري أنَّ نسبةَ الهيدروجينِ الثقيلِ ستكونُ أكبرَ منَ المعروفِ من مئةٍ إلى مئتَيْ مرة.
باستخدامِ نموذجِ "بور" الرياضيِّ لذرةِ الهيدروجين، حسبَ "يوري" أيضًا كيفَ سيختلفُ طيفُ الهيدروجينِ الثقيلِ عنِ الهيدروجينِ العادي.
في خريفِ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وواحدٍ وثلاثينَ، قاسَ "يوري" ومساعدُه "جورج مورفي" طيفَ عينةِ الـملليمترِ الواحد، ووجدُوا بالضبطِ الخطوطَ الطيفيةَ التي تنبأَ بها للهيدروجينِ الثقيل. تمَّ الاكتشافُ في يومِ عيدِ الشكرِ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وواحدٍ وثلاثين.
أطلقَ أوري على الشكلِ الجديدِ منَ الهيدروجينِ الديوتيريوم ليحصلَ أوري على جائزةِ نوبل في الكيمياءِ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعةٍ وثلاثينَ "لاكتشافِه الهيدروجينَ الثقيل".
على الرغمِ منْ أنَّه كانَ الفائزَ الوحيدَ بالجائزة، إلا أنَّه شاركَ جزءًا منْ جائزتِه الماليةِ معَ اثنينِ آخرَينِ أدَّيا دورًا مهمًّا في الاكتشافِ وهما جورج مورفي وفرديناند بريكويد.
خلالَ معظمِ سنواتِ الثلاثينياتِ منَ القرنِ الماضي، أنتجَ "يوري" عناصرَ مخصبةً في نظائرِها الصغيرة.
أثبتتْ هذهِ الموادُّ أنَّها حيويةٌ في اكتشافِ المساراتِ البيوكيميائية. على سبيلِ المثال، إذا أكلَ فأرٌ بعضَ الطعامِ المخصَّبِ بنظيرِ الكربون، فإنَّ الأنسجةَ والجزيئاتِ التي ظهرَ فيها الكربونُ المخصبُ بالنظائرِ تعطي في النهايةِ معلوماتٍ دقيقةً حولَ مكانِ انتهاءِ الجزيئاتِ الموجودةِ في الطعامِ بعدَ تناوُلِه.
في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنينِ وثلاثينَ، أسسَ "يوري" مجلةَ الفيزياءِ الكيميائيةِ وعملَ محررًا لها بينَ عامَي ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنينِ وثلاثينَ وألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعين.
عندَما اتخذتِ الولاياتُ المتحدةُ قرارًا ببناءِ قنبلةٍ ذرية، كانَ منَ الواضحِ أنَّ "يوري" هوَ أحدُ الرجالِ الذينَ منَ المقررِ أنْ يشاركُوا في صناعةِ القنبلة. فلصُنعِ قنبلة، يجبُ فصلُ نظائرِ اليورانيوم ولنْ يعرفَ أحدٌ عنْ فصلِ النظائرِ أكثرَ منْ "يوري".
في مايو عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وواحدٍ وأربعينَ تمَّ تعيينُه في اللجنةِ التنفيذيةِ لتلكَ المهمة.
بحلولِ أواخرِ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةٍ وأربعين، كانَ لديهِ أكثرَ منْ سَبعِمئةِ شخصٍ يعملونَ معَه في مشروعٍ لفصلِ نظائرِ اليورانيوم عنْ طريقِ الانتشارِ الغازي.
وفي عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وأربعينَ، كانَ يوري قدْ دُفعَ إلى حالةٍ منَ الإرهاقِ العصبيِّ بسببِ العملِ والجوِّ السياسيِّ السيئِ منَ الأشخاصِ الذينَ يعملونَ معَه. ليسلِّمَ وظيفتَه في المشروعِ لراي كريست.
حصلَ "يوري" على وسامِ الاستحقاقِ لعملِه في المشروع. قبلَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ وفي أثنائِها، أدى "يوري" أيضًا دورًا كبيرًا في مساعدةِ العلماءِ اليهودِ على الهروبِ منْ مناطقِ أوروبا التي كانتْ تحتَ السيطرةِ النازية.
في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وأربعين، أصبحَ "يوري" أستاذًا للكيمياءِ في معهدِ الدراساتِ النوويةِ بجامعةِ شيكاغو. وفي أواخرِ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وأربعينَ أدركَ أنَّ الكائناتِ الحيةَ يمكنُ أنْ تُنتجَ موادَّ غنيةً بالنظائر.
فكائناتٌ مثلُ المحار، التي تكونتْ أصدافُها منَ الكربونات، تميلُ إلى تفضيلِ نظيرِ الأكسجين -18 ثمانيةَ عشَرَ على نظيرِ الأكسجين ستةَ عشَرَ -16 الأكثرِ شيوعًا في بناءِ أصدافِها. علاوةً على ذلك، فإنَّ نسبةَ نظائرِ الأكسجينِ في الأصدافِ تعتمدُ على متوسطِ درجةِ حرارةِ الجوِّ عندَ بناءِ تلكَ الأصداف.
بحلولِ أوائلِ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وتسعةٍ وأربعينَ، بنى "يوري" مقاييسَ طيفيةً للكتلةِ حساسةً بدرجةٍ كافيةٍ لقياسِ نِسَبِ نظائرِ الأكسجينِ بدقةٍ كبيرة، مما مكنَه منِ اكتشافِ متوسطِ درجاتِ الحرارةِ منذُ ملايينِ السنين.
بسببِ هذا العمل؛ حصلَ أوري على ميداليةِ آرثر ل. داي منَ الجمعيةِ الجيولوجيةِ الأمريكية، وميداليةِ غولدشميدت منَ الجمعيةِ الجيوكيميائية.
ذلكَ العملُ قادَه أيضًا إلى التفكيرِ في الوفرةِ النسبيةِ للعناصرِ الكيميائيةِ على كوكبِنا؛ وبدأَ أيضًا في التفكيرِ في كيفيةِ بدءِ الحياةِ على الأرض.
في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وواحدٍ وخمسينَ قرأَ بحثًا يقترحُ أنَّ مركباتِ الكربونِ المناسبةِ القادرةِ على ولادةِ الحياةِ في "حساءٍ بدائيٍّ" يمكنُ أنْ تكونَ قدْ تشكلتْ عنْ طريقِ إشعاعٍ عالي الطاقة.
أبلغتِ الورقةُ عنْ تجربةٍ أدى فيها القصفُ بنواةِ الهيليوم إلى تفاعُلِ ثاني أكسيدِ الكربونِ معَ الماءِ لإنتاجِ حمضِ الفورميك. اعتقدَ "يوري" أنَّ هذا العملَ كانَ منفصلاً تمامًا عنْ كيفيةِ صنعِ جزيئاتِ الحياةِ لأولِ مرة؛ ليصرِّحَ باعتقادِه أنَّ الجزيئاتِ الأولى الضروريةَ لبناءِ كائناتٍ حيةٍ ربما تكونُ قدْ تشكلتْ عنْ طريقِ العواصفِ الرعديةِ التي تسببتْ في الغازاتِ في الغلافِ الجويِّ المبكرِ للأرضِ - اقترحَ أنَّ هذهِ كانتْ بشكلٍ أساسيٍّ الهيدروجينَ والأمونيا والميثانَ والماء – التي تفاعلتْ قبلَ ملايينِ السنينِ معًا.
بعدَ الندوةِ، اقتربَ طالبٌ اسمُهُ "ستانلي ميلر" منْ "يوري" وأخبرَه بأنَّه يودُّ التحقيقَ في فكرةِ "يوري" كموضوعٍ لدرجةِ الدكتوراة.
كانَ "يوري" حذرًا في البداية. كانَ يعتقدُ أنَّ فكرتَه قدْ تكونُ اقتراحًا محفوفًا بالمخاطرِ بالنسبةِ لدرجةِ الدكتوراة. ولكنَّه في النهايةِ وافقَ على الاقتراح.
في غضونِ بضعةِ أشهر، أجرى ستانلي ميلر واحدةً منْ أشهرِ التجاربِ التي أُجريتْ على الإطلاقِ في أصلِ الحياة – وهيَ تجربةُ ميلر-يوري.
قامَ ميلر بتمريرِ شراراتٍ كهربائيةٍ عبرَ خليطٍ منَ الهيدروجين والأمونيا والميثانِ وبخارِ الماء، ووجدَ أنَّه بعدَ أيامٍ قليلةٍ أنتجتِ التفاعلاتُ الكيميائيةُ حمأةً منَ الأحماضِ الأمينية. كانتْ أهميةُ التجربةِ هيَ اكتشافُ أنَّ الموادَّ الكيميائيةَ البسيطةَ غيرَ العضويةِ يمكنُ أنْ تتفاعلَ في ظلِّ الظروفِ الطبيعيةِ لإنتاجِ جزيئاتٍ عضويةٍ أكثرَ تعقيدًا - الأحماضِ الأمينيةِ - اللبناتِ الأساسيةِ للحياة.
كانَ "يوري" مستشارَ ميلر لنيلِ درجةِ الدكتوراة، ووفقَ العرفِ كانَ يجبُ أنْ يظهرَ اسمُه في العملِ المنشور. ومعَ ذلكَ، كانَ "يوري" قلقًا منْ أنَّه كفائزٍ بجائزةِ نوبل، سيحصلُ على كلِّ التقديرِ بينَما لنْ يتلقَّى ميلر سوى القليلِ جدًّا. لذلكَ أصرَّ "يوري" على أنَّ اسمَ ميلر هوَ الوحيدُ الذي يجبُ أنْ يظهرَ في العمل.
تزوجَ أوري "فريدا داوم" عالِمةَ الجراثيم، في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وعشرينَ وأنجبا أربعةَ أطفال: جيرترود إليزابيث، وفريدا ريبيكا، وماري أليس، وجون كلايتون.
في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وخمسينَ ، عندَما كان يبلغُ منَ العمرِ ثلاثةً وستينَ عامًا، غادرَ أوري شيكاغو ليقضيَ عامًا في المملكةِ المتحدةِ أستاذًا زائرًا في جامعةِ أكسفورد؛ وفي سنِّ الخامسةِ والستينَ، تقاعدَ منْ منصبِه في شيكاغو، حيثُ قبِلَ دورًا كأستاذٍ جامعيٍّ في جامعةِ كاليفورنيا، سان دييغو، مما ساعدَ في بناءِ كليةِ العلومِ هناك. ظلَّ في هذا المنصبِ حتى عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعين.
توفيَ هارولد أوري في الخامسِ من يناير عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وواحدٍ وثمانين، عن عمرٍ يناهزُ سبعةً وثمانينَ عامًا، في لا جولا، كاليفورنيا، وأُعيدَ إلى إنديانا حيثُ دُفنَ في مقبرةِ فيرفيلد في مقاطعةِ ديكالب.